إصلاح البرلمان العراقي ضرورة وطنية ملحة ، طاهرالبكاء
إصلاح البرلمان العراقي ضرورة وطنية ملحة
طاهر البكاء
تشرين الثاني 2018
أصبح واضحاً تماماً ، بعد خمس عشرة سنة من التعثر والتخبط السياسي ، بأن العملية السياسية في العراق تحتاج إلى إصلاح شامل لمفاصلها كافة ، التشريعية ، والتنفيذية والقضائية. والإصلاح ضرورة مستمرة على صعيد الشخصي أو العام ، وهو ليس عيباً أو ضعفاً بل هو قوة للفرد إذا ما قام بمراجعة سلوكه وإصلاح نفسه ، أما على المستوى العام فيصبح الإصلاح أكثر إلحاحاً ووجوباً .
وعلى الصعيد الوطني العراقي فإن تعديل الدستور يعد من الأولويات الملحة ، غير أن ذلك مستحيل في الوقت الراهن لضعف الحكومة وتشتت الإرادات السياسية وانعدام الثقة بين الفرقاء المشاركين في تلك العملية ، خاصة في ظل ما فرضته القيادات الكوردية عند كتابة الدستور الدائم 2005 ، في الفقرة رابعاً من المادة 142 ، التي نصت على : (يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً ، بموافقة أغلبية المصوتين ، إذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر).
هذه الفقرة ، غريبة في بابها ، وافق عليها زعماء الكتل وضمنوها في الدستور ، وصَوتَ الشعب عليها وعلى ذلك الدستور منقاداً بعاطفة عمياء "غبية" وراء قياداته السياسية ومراجعه الدينية ، هذه الفقرة أصبحت عائقاً كبيراً وحاجزاً قوياً أمام تعديل الدستور.
من المفيد أن أشير هنا ، باعتباري كنت عضواً في لجنة كتابة الدستور ، بأنني وفي الأسابيع الأولى لعمل اللجنة ، وعندما أدركت أن الأمور تجري في غير صالح الوطن ، أصدرت بياناً طالبت بحل اللجنة والجمعية الوطنية وانتخاب جمعية جديدة ، تأخذ على عاتقها كتابة الدستور ، ولما لم يؤخذ برأيي ثبت اعتراضي على عدة فقرات بالدستور وأعلنت ذلك في بيان رسمي.
ولما كانت السياسة فن الممكن ، وتعديل الدستور خارج ذلك الممكن ، لابد أن لانفقد الأمل بالاصلاح ، بل نحث الخطى من أجله ، على قاعدة (ما لايدرك كله لا يترك جله) ولنبدأ بإصلاح ما يمكن إصلاحه ، وهذا في متناول أعضاء البرلمان إن هم عقدوا العزم على ذلك وتحلوا بروح وطنية عالية ، وتخلوا عن المحاصصة المقيتة بكل أشكالها ، الحزبية والقومية والمذهبية والمناطقية.
أقول إن الخطوة الأولى أن يقوم البرلمان بإصلاح نفسه، من خلال إصلاح قانون الانتخابات أولا ، إذ إن هذا القانون عادة ما يتم تعدليه قبل كل انتخابات ، ومن المؤسف أن التعديلات لم تستهدف تطوير العملية الانتخابية و ترسيخ الديمقرطية بل إن أغلب التعديلات كانت تستهدف ضمان هيمنة الأحزاب والكتل الكبيرة على أكبر قدر من المقاعد في البرلمان ، من خلال اعتماد قانون "سانت ليغو" الذي يقضي ظلماً بإضافة أصوات الكتل الصغيرة إلى الكبيرة ، الأمر الذي يؤدي إلى ذهاب أصوات الناخبين إلى مرشحين لم يكونوا من اختيارهم.
لذا يتوجب العمل على:
1- اعتماد الترشيح الفردي أساسا وإلغاء فكرة القوائم ، سواءً كان المرشح حزبيا أم مستقلا ، وذلك للحيلولة دون صعود عناصر لم تحصل على الأصوات المؤهلة لعضوية البرلمان ، وذلك من خلال ملء الفراغات التي تحصل لاحقا على حساب المرشحين المستقلين .
2- الاستمرار باعتماد الدوائر المتعددة والابتعاد كليا عن فكرة الدائرة الواحدة على مستوى المحافظة.
3- تقليص عدد أعضاء مجلس النواب بزيادة العدد الذي يمثله كل نائب ، فإذا افترضنا أن نفوس العراق 35 مليون وأن كل نائب يمثل 350.000 شخصا عندها يتكون المجلس النيابي من 100 عضوٍ فقط . أو اعتماد معادلة كل نائب يمثل 250.000 شخصا عندها يصبح عدد اعضاء المجلس 140 عضوا ، تكون حصة كل محافظة حسب عدد سكانها ، مع أني أميل إلى الرأي الأول ، وبهذا نضمن صعود شخصيات ذات نفوذ اجتماعي وسياسي وأكاديمي ، وحينئذٍ تكون المناقشات داخل المجلس أكثر جدية وتتاح الفرصة أمام كل أعضاء المجلس للإدلاء بآرائهم وفي مختلف القضايا.
4- ولتحقيق الغايات النبيلة المرجوة من تطبيق نظام الترشيح الفردي يتعين ترصين آليات واضحة لا تقبل التأويل فيما يخص مبدأ تكافؤ الفرص ، ولاسيما فيما يتعلق بالسقف المالي للدعاية الانتخابية ، بحيث لا تغبن المرشحين المستقلين الذين لايمكن بأي حال من الأحوال أن تتوافر لديهم الإمكانات المالية للأحزاب ، فضلا عن ضرورة أن تكون أموال الدعاية الانتخابية خاضعة للرقابة والشفافية ، وذلك لمعرفة مصادرها.
من الملفت للنظر والمثير للتساؤلات وعلامات التعجب أن عدد المرشحين للانتخابات يزداد في كل دورة انتخابية ، مع أن كثير منهم يعرف أنه غير مؤهل لتولي منصب متقدم في الدولة فكيف بتحمل مسؤولية سلطة التشريع في البلاد؟ لابد أن تكون وراء هذا دوافع وأطماع ، ففضلاً عن الوجاهة الاجتماعية فإن أهم عاملين وراء ذلك هما:
سعي كل حزاب لضم أكبر عدد من المرشحين بقائمته ، من أجل جمع مايمكن جمعه من الأصوات للاستفادة منها في الحسابات والأوزان النهائية وفق قانون سانت ليغو.
الامتيازات المالية غير المعقولة واللامنطقية والتقاعد الفلكي دون مراعاة سنوات الخدمة، التي منحها البرلمان لأعضائه ، التي ليس لها مثيل في العالم ، والتي تسيل لعاب كثيرين ، مما دفع الآلاف للترشيح ، وتقديم الهدايا والوعود للجماهير وإن كانت كاذبة للفوز بعضوية البرلمان.
لذا يجب أن يتم تعديل قانون الانتخابات وإعادة النظر بقوانين الامتيازات والتقاعد ، والسكن في المنطقة الخضراء ، وعدد الحمايات وغيرها.
فإذا تم ذلك عندها سنحصل على برلمان بإمكانه ممارسة دوره التشريعي والرقابي، وصولاً الى الهدف الكبير"تعديل الدستور".