top of page

انهيار أسعار النفط ، نعمة ام نقمة ؟ طاهر البكاء

انهيار أسعار النفط ، نعمة أم نقمة ؟

طاهر البكاء

كانون الثاني 2015

استخدمت أغلب الدول المنتجة للنفط وارداتها لتطوير مصادر دخلها فاعتنت بزراعتها وصناعتها وجعلتهما مصدرين رديفين للثروة بالإضافة للنفط ، إلا العراق لم يفعل ذلك ، إذ حل النفط نقمة على صناعته وزراعته، فقد كان العراق يُصدر كثيراً من المنتجات الزراعية كالرز والسمسم والقمح والتمر ، لكنْ ما أن أصبح النفط مصدراً رئيساً للأموال حتى أهملت الزراعة والصناعة ، وأصبح الاقتصاد العراقي "ريعياً " ، ورئيس الدولة كشيخ عشيرة يمتلك الأموال ويوزّعها ، بل يبذرها ، كيف يشاء .

أقول إن الارتفاع الكبير لأسعار النفط في السنوات الخمس الماضية قد أصاب المسؤولين العراقيين بالعمى وجعلهم يتصرفون بارتجال ، فلا تخطيط ، ولا برامج زراعية أو صناعية ، وبقي منتسبو المؤسسات الصناعية المنحلة أو المعطلة يتقاضون رواتبهم دون أن يقوموا بأي عمل، فكان من نتائج القضاء حتى على الزراعة بفتح أسواق العراق على منتجات دول الجوار فاستورد العراق منها الفواكه والخضر بل اللبن والماء والتمر أيضا. وهكذا تحول النفط من نعمة إلى نقمة قاتلة .

بانهيار الزراعة والصناعة أصبحت الوظيفة الحكومية مصدراً وحيداً للرزق ، وبتهوّر وغرور جرى تعيين أعدادٍ كبيرة من الموظفين والتعاقد مع آخرين ، لا لحاجة تلك الدوائر لخدماتهم ، بل لإضافة بطالة مقنعة جديدة إلى التي سبقتها ، فتضخم جهاز الدولة ربما أكثر من 400% ، دون إنتاجية تدر وارداتٍ للخزينة.

اليوم هبط سعر النفط إلى 45 دولاراً للبرميل في أمريكا ، وغداً ستهبط أسعار نفوط الشرق الاوسط ، فهل ستكفي واردات النفط العراقي لتغطية رواتب هذا الكم الهائل من الموظفين ، بالإضافة لتوفير نفقات الحرب على الإرهاب ؟.

يتصور الكثيرون من الناس أن هبوط أسعار النفط ستكون كارثة على العراق ، وهي هكذا بظاهر الأمور وبالمدى القصير ، وأن الأزمة ستطول إنْ لم تتنبه الحكومة العراقية وتصحُ من نشوة واردات النفط المرتفعة ، الأمر الذي نبَّه إليه الشاعر الكبير الجواهري سابقا بقوله :

ستبقى طويلا هذه الأزمات ..… اذا لم تقصر من عمرها الصدمات اذا لم ينلها مصلحون بواسلٌ ..…........ جريئون فيما يدّعون كفاة

وها هي صدمة انهيار أسعار النفط تصيب واردات الحكومة العراقية وتشل قدرتها ، وتعطل برامجها ، حتى جعلتها عاجزة عن وضع ميزانية سنوية دون عجز كبير جداً ، مما سيجبر الحكومة على الاستدانة من دول أو من البنك الدولي بأرباح ليست قليلة . وبهذا تكون الحكومة العراقية قد تسبَّبت بكارثتين الأولى ، أنها خسرت فرصة ارتفاع أسعار النفط ، لإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد ، والثانية تكبيل العراق بمديونية جديدة ، بعد أنْ تخلص من أغلب مديونياته التي سبّبتها الحروب السابقة .

لكنْ هل من الممكن تحويل انهيار أسعار النفط إلى نعمة ؟ أقول هذا ممكن اذا أفاقتْ الحكومة العراقية من سكرتها ، وتخلَّت عن أسلوب المحاصصة اللعين الذي جلب أناساً لا خبرة لهم في الاقتصاد والإدارة فجعل من طبيب بيطري وزيراً للتجارة ، ومن طبيب بشري وزيراً للمالية ، ومن مقاتل وزيراً للنقل ، ومن غير تربوي وزيراً للتربية ، والأمثلة طويلة جدا. وإذا ما اعتمدت الحكومة على الكفاءات والخبرات العلمية الوطنية ، وجعلت الرجل المناسب في مكانه الطبيعي، وشجعلت القطاع الخاص وذلك من خلال تشريع قوانين تحميه وتدفعه للاستثمار ، فتتوفر فرص عمل جديدة ، تجعل المواطن يفضل الوظيفة في القطاع الخاص على نظيرتها الحكومية ، وهذا يتطلب إصدار قوانين تقاعد وضمان اجتماعي جديدة يتساوى فيها موظف القطاع العام والخاص.

أما إذا أصرّت الأحزاب الحاكمة على سياساتها التي لا تخدم سوى تلك الأحزاب وكوادرها ، فان الكارثة ستحل على الجميع ، مما سينتج عنها أزمات لا قبل للجميع على تحملها ، وهنا ينطبق عليها قول الجواهري العظيم:

سيبقى طويلا يحمل الشعب مكرهاً . مساوئ من قد أبقت الفتراتُ ألم تر أن الشعب جل حقوقه …........ هي اليوم للأفراد ممتلكاتُ مشت كل جارات العراق طموحة …. سراعاً ، وقامت دونه العقبات ومن عجب أن الذين تكفلوا ...........……. بإنقاذ أهليه هم العثراتُ




Tahir Albakaa
Historian
bottom of page