top of page

محاربة الارهاب في العراق بطاقة لرحلة واحدة ، طاهر البكاء


تحولت أرض العراق إلى ميدان لصراع عالمي ستكون نتائجه عالمية أيضاً, وتشبه إلى حد كبير نتائج الحربين الكونيتين الأولى والثانية, وبالتأكيد سيكون الإنحسار عالمياً نصيب المهزوم. إن الحرب بعبارة أدق بطاقة لرحلة واحدة. وأميركا التي أسقطت نظامي طالبان وصدام كجزء مما عدته محور الشر لم تتمكن بعدُ من هزيمة شر الإرهاب فيهما, وهنا تكمن المعضلة.

فالحكم -في عالم السياسة- على الأفعال والقرارات بنتائجها,وليس على نوايا اصحابها. إنّ السياسات الطيبة ليست ضمانا اكيدا للنجاح, لكن السياسات السيئة بالتأكيد ضمان محقق للفشل. وبغض النظر عن الموقف من حرب العراق واسقاط نظامه وأسباب تلك الحرب ودوافعها, فإن ما جرى قد جرى بسهولة لم تكن متوقعة مطلقا, وبخسائر تكاد لا تذكر, الأمر الذي دفع الرئيس بوش إلى إلقاء خطاب من على متن حاملة الطائرات الأميركية ( إبراهام لنكولن) في نهاية أبريل 2003 يعلن فيه إنهاء العمليات العسكرية الكبرى في العراق.

وكانت للحرب اهداف معلنة ومعروفة, منها البحث عن اسحلة الدمار الشامل العراقية, التي اثبتت الوقائع ان العراق لا يمتلكها, لكنه لم يكن يألو جهدا في السعي للحصول عليها مهما كلفته ولو بحدودها الضيقة كالكيمياوي المزدوج, أو أي نوع من الأسلحة الجرثرمية القذرة والرخيصة, وسهلة الإنتاج.

وكان من الأهداف المعلنة للحرب دمقرطة العراق, وهنا لابد من القول ان النجاح في هذا الميدان كان كبيرا, إذ توافرت الظروف لكل القوى والأحزاب السياسية العراقية بمختلف اتجاهاتها وتباينها من السلفي الى العلماني, للعمل بحرية مطلقة, اعتقد انها لم تتوفر حتى في بلدان ترسخت فيها الديمقراطية منذ عقود عدة, ففي عراق ما بعد صدام اصبح كل طامح قادرا على تأسيس حزب او

إنشاء محطة تلفزيونية, فضائية او محلية, او اصدر صحيفة في اقل الحالات, وإلى الآن ليس هناك قانون ينظـِّم عمل هذه الأحزاب او يمنع تجاوزها على الآخرين. ومن ابرز النجاحات في هذا المضمار هو اجراء الأنتخابات الديمقراطية في 30 كانون الثاني 2005 وكتابة الدستور الدائم والاستفتاء عليه في المواعيد المحددة واجراء الانتخابات الجديدة في 15 كانون الأول 2005, لتشكيل حكومة عراقية دائمية. هذا النجاح- إن استمر- سيجعل العراق مركز اشعاع يؤثر عاجلا ام اجلا على كل البلدان في المنطقة بدرجات متفاوتة, وبدأت بعض تباشيره تظهر الان على هيئة حراك سياسي سيتحول الى كرة ثلج تكبر مع الأيام ومع استقرار التجربة العراقية.

ومعروف أن استهداف النظام العراقي كان جزءا من سياسة الولايات المتحدة الأميركية بعد جريمة 11 ايلول 2001 حيث كان ذلك النظام واحدا من أربعة انظمة عدّتها الإدراة الأميركية محور الشر. وهي وإن اسقطت نظامي طالبان وصدام إلا انها لم تقض على الشر في البلدين فقد تجمعت بؤر الإرهاب في العراق من كل حدب وصوب وأصبح كل من يخشى السياسة الأميركية ويتقاطع معها, يدعم القوى المناهضة لها في العراق, وهكذا تحول العراق الى ميدان لصراع عالمي ستكون نتائجة عالمية ايضا تشبه الى حد كبير نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية فالمهزوم في الساحة العراقية سيهزم عالميا, والمنتصر سيجني ثمار نصره طيلة النصف ألأول من القرن الحادي والعشرين على الأقل.

ان الحرب على الأرهاب في العراق ليس فيها حلولا وسطية او تراجعاً, إنها بطاقة لرحلة واحدة إما النصر أو الهزيمة, لذا فإن الذين كانوا ضد قرار الحرب وإن كنا ولما نزل نحترم وجهة نظرهم إلا اننا نتقاطع معهم في ما يدعون اليه الآن من انسحاب سريع ومبكر لقوات التحالف من العراق.

ولابد من القول: إننا وإن نأمل ونعمل من أجل انسحاب اميركي من العراق وانهاء الاحتلال لإن ذلك ماينشده الشعب العراقي ,وبالتاكيد سيضفي مصداقية على سياسة أميركا المعلنة بالعمل من أجل نشر الديمقراطية وليس احتلال البلدان, إلا ان ذلك يجب ان يتم بتوقيت صحيح وسليم وان لا يعطي رسالة خاطئة الى قوى الأرهاب ومن يدعمها, تماماً كما أعلن ذلك الرئيس بوش في خطابه.

وقبل المطالبة بالانسحاب العاجل يجب التأكيد على ما يجب عمله في العراق ذلك البلد الذي افقدته الحرب وقرارات الحاكم المدني الأميركي كل مقومات المواجهة مع اضعف دول جواره الجغرافي, بعد ان فـُكك جيشه واجهزته الأمنية وفرقة حدوده, ودخلته قوى الإرهاب ونظمت نفسها ووجدت من يحتضنها في المناطق المتضررة من اسقاط نظام صدام و اجراءات الحاكم الأميركي آنفة الذكر, بينما اسهمت سياسة المحاصصة القومية والمذهبية والسياسة التي اتبعها الحاكم المدني الأميركي في اضعاف نسيج المجتمع العراقي, وقسّمته الى مناطق تتحكم بها قوى واحزاب اهدافها قومية او مذهبية ضيقة وليس برامج وطنية شاملة, وفي الوقت ذاته تمتلك المال والسلاح والميليشيات ويأتيها الدعم الخارجي بقوة وسخاء.

لذا من الخطأ التفكير وليس المطالبة بانسحاب فوري ويجب ان لا تستخدم هذه الورقة لأغراض انتخابية داخلية لإن الموضوع يتطلب رؤية واقعية وسليمة ومسبقة لنتائج الرسالة الخاطئة التي يبعثها ذلك التفكير وهذه المطالبة.

إن الأولى بأصحاب هذا القول التركيز على نقاط رئيسة, أولاها: إعادة تشكيل الجيش والشرطة العراقيين وتدريبهما وتسليحهما وتسليمهما زمام الأمور وثانيها: فتح ابواب الاستثمار الواسع في العراق من اجل تحقيق تنمية تقضي على البطالة الواسعة في العراق التي تجاوزت الأربعين في المائة لأنها مصدر المشاكل فيه والوسط الذي يستمد منه الأرهاب بعض مكوناته وتستمد منه بعض الأحزاب مقومات تشكيل ميلشياتها, وثالث تلك الخطوات وهي ضرورية بناء منظمات المجتمع المدني وتحقيق رقابتها على اداء الاحزاب والقوى التي مارست اساليب الاغتيال والإرهاب والتضليل ومصادرة حرية الآخرين في مجتمع حديث عهد بالممارسة الديمقراطية.

إن على الولايات المتحدة الأميركية حكومة وشعباً التزامات اخلاقية امام الشعب العراقي يجب الوفاء بها وإن التنصل عنها وترك العراق يواجه مصيره بعد ان عشش الإرهاب فيه وسال لعاب الجوار على خيراته وأرضه, سيفقد الولايات المتحدة المصداقية, وتكون بذلك قد كررت خطأ سبق ان ارتكبته عندما اقامت مزرعة لتفريخ الأصوليين التكفيريين بالتعاون مع السعودية والباكستان أثناء مواجهة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان, تلك المزرعة التي أثمرت ارهابا اصبح تنيناً متعدد الرؤوس, يهدد الأمن والسلام العالميين.

إن من الخطأ التعامل مع الموضوع العراقي على أساس المعطيات العسكرية على الأرض, بحسابات الخسائر المادية والبشرية. إنه اكبر من ذلك ويتعداه الى معطيات سياسية خطيرة ستكلف الولايات المتحدة أثماناً باهظة لا تنحصر فاتورتها في العراق وانما في الشرق الأوسط في أضيق الحدود. فهل استعد المطالبون بالانسحاب السريع من العراق وتركه يلعق جراحه لدفع تلك الفواتير, أو لمواجهة نتائج حرب عالمية الطابع والتأثير والاستحقاقات!




Tahir Albakaa
Historian
bottom of page