top of page

موضوعة الاعتراف بشهادات معهد التاريخ والتراث العربي: قصتي مع اتحاد المؤرخين العرب


طاهر البكاء

2021

إبتداءً لابد من القول إن عدداً من خريجي معهد التاريخ العربي قدموا دراسات تاريخية - رسائل ماجستير و أطاريح دكتوراه - متميزة ، تضاهي و بعضها يتفوق على ما تم إنجازه في جامعات عراقية وربما عربية و عالمية ، ليس بسسب متانة برامج الدراسة في المعهد وصرامة إجراءاته ولكن بكل تأكيد، اعترافاً للقابليات العلمية لأصحاب تلك الرسائل والأطاريح. منها على سبيل الحصر ما قدمه الدكتورصبحي ناظم توفيق بأطروحته للدكتوراه في التاريخ الاسلامي بإشراف المرحوم الدكتور عماد عبد السلام ، ورسالة واطروحة الدكتور مزهر الخفاجي، وأطروحة الدكتورعصام عبد الرضا الفيلي، باشراف استاذي المرحوم الدكتور كمال مظهر أحمد ، وأطروحة الدكتور خزعل الماجدي ورسالة الماجستير للطالب الليبي الدكتور كمال ويبه. وغيرهم.

فما هي قصة هذا المعهد و سياسة القبول فيه والمتحكم بها وبه وموضوعة الاعتراف بمخرجاته؟ وللتوضيح لابد من إلقاء نظرة سريعة على تاريخه.

أسّس معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا بقرار من الجمعية العامة لاتحاد المؤرخين العرب في مؤتمرها السنوي الذي عقد في بغداد من 30 تشرين الثاني إلى الثاني من كانون الأول 1988.

حصلت موافقة ديوان رئاسة الجمهورية على استضافة المعهد في بغداد بكتابها المرقم 3289 بتاريخ 11 شباط 1992"[1]" واستأنف المعهد نشاطه العلمي في ذلك التاريخ دون الحصول على موافقة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

لم يتقيد القائمون على المعهد بالشروط الأكاديمية التي يجب أن تتوفر لدى المتقدم للالتحاق بدراسة التاريخ أو التراث العربي، فقد كان القبول يخضع لاعتبارات غير ثابتة، منها مادية، إذ عُدَّ القبول مصدراً مالياً مهماً لاتحاد المؤرخين وللعاملين في المعهد. ومنها للتقرب من قادة بارزين في الحزب والدولة وخاصة المؤسسة العسكرية، فضلاً عن أسباب أخرى.

لم يشترط القائمون على المعهد أن يكون المتقدم حاصلاً على بكالوريوس في التاريخ، لذا قُبل في مرحلة الماجستير كل مَن أنهى المرحلة الجامعية وبأي اختصاص كان، ودون التقيد بالمعدل في كثير من الأحيان. كما تم قبول عسكريين من حملة شهادة الأركان لدراسة الدكتوراه دون إنهاء مرحلة الماجستير، مبررين ذلك بأن شهادة الأركان معادلة للماجستير. كل ذلك كان تملقاً وانتهازية لكبار ضباط الجيش وقادته.

يجب أن لا نغفل هنا، أن عدداً منهم قدم أطاريح ودراسات ذات أهمية كبيرة تتفوق بل تبزُّ نظيراتها في الجامعات العراقية. وهؤلاء هم الاستثناء وليس القاعدة.

سعى القائمون على المعهد إلى الحصول على اعتراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومعادلة الشهادات التي يمنحها المعهد بما يناظره في الجامعات العراقية، إلا أن هذه المحاولات لم تلق الاستجابة التي كانوا يأملونها. لذا حركوا بعض الخريجين الذين تمتد أيديهم إلى عليا المراجع، ولديهم حظوة في رئاسة الجمهورية.

استطاع هؤلاء في تشرين الأول 1994 استصدار كتاب من ديوان رئاسة الجمهورية بتشكيل لجنة برئاسة وكيل وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور صبري رديف العاني، وعضوية ممثل عن الدائرة التربوية في رئاسة الجمهورية، وممثل عن المكتب المهني، وعدد من رؤساء أقسام التاريخ في الجامعات العراقية، لدراسة موضوع الاعتراف بالمعهد ومعادلة الشهادات التي يمنحها.

كنت في حينها أتولى رئاسة قسم التاريخ في كلية التربية، الجامعة المستنصرية، وقد تم اختياري لعضوية اللجنة.

عقدت اللجنة اجتماعات عدة، جرت خلالها مناقشات مستفيضة، فانقسم أعضاء اللجنة بين مؤيد للطلب ومحايد في الرأي، وتوليت أنا جانب المعارضة الشديدة، وكانت آرائي علمية لاغبارعليها. بحيث لم يستطع المؤيدون الردّ عليها، مما أدى إلى أن ترفع اللجنة توصية برد الطلب لأن أسس القبول في المعهد تخالف الضوابط الأكاديمية.

وصلتني رسالة في 18 تشرين الأول 1994 من رئيس اتحاد المؤرخين العرب الأستاذ الدكتور مصطفى النجار فيها عتب وقلة ذوق في المخاطبة، أوضح فيها أن ممثل المكتب المهني للحزب"[2]" نقل له ما دار في الاجتماع وموقفي المعارض وأضاف أن رئيس اللجنة الدكتور صبري العاني نقل إليه صورة سوداء عن رأيي. ومما جاء في رسالة الدكتور النجار قوله: "ما كنت أعتقد أن الأخوّة التي تربطني بك والتراث الضخم الذي يجمعنا يخفي فيك حقداً وكراهيةً فضحت فيها نفسك أمام لجنة وزارة التعليم العالي... وعليه يا طاهر سوف أتجنبك أينما وُجدت وسوف لا يدور لساني على لسانك ومع هذا فإني أفاتحك بعد أن أمر السيد الرئيس حفظه الله ورعاه بالطعن بقرارات الحاقدين ورفض آرائهم التافهة لأن تكون بغداد مقراً دائماً للمعهد واستئناف الدراسة فيه فإني أعرض على سيادتك معاونية العمادة راجياً أن أتلقى منك الموافقة مع التقدير".

الغريب في الأمر أن الدكتور مصطفى اتهمني بالحقد والكراهية وأن الرئيس طعن بآرائي التافهة، حسبما ذكر في رسالته، وبعد كل هذا أراد شراء سكوتي فعرض عليَّ في الرسالة ذاتها منصباً تافهاً، لم أتقبل أفضل منه في جامعتي الرصينة.

أراد الدكتور النجار أن يمارس تضليلاً عندما قال في رسالته لي إن رئيس البلاد وافق على أنْ تكون بغداد مقراً دائماً للمعهد واستئناف الدراسة. والحقيقة نعم أن رئيس الجمهورية وافق على أن تكون بغداد مقراً لكنه لم يتدخل في موضوع الاعتراف بمخرجات المعهد والشهادات العلمية التي يمنحها و ترك الأمر للأسس الأكاديمية التي تتبعها وزارة التعليم العالي و البحث العلمي والجامعات.

الموضوع بعد 2003 :


أردت بعرض هذه الخلفية التاريخية القول: إنه وبعد سقوط النظام حصل انفلات لدى البعض فأسسوا كليات أهلية دون استحصال موافقات رسمية، ولا تتوافر فيها الشروط الأكاديمية. وفي الوقت ذاته تقدم اتحاد المؤرخين العرب واتحاد التربويين العرب بطلبين من أجل الحصول على اعتراف رسمي من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالشهادات التي يمنحها المعهدان التابعان لهما. كان ذلك عندما كنت أتولى مسؤولية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 2004- 2005.

ومن أجل تجنب أي قول بأنني فرضت رأيي السابق، لم أحرص على رد الطلبين مباشرة، بل آثرت عرض الموضوع على مجلس الوزارة الذي يضم جميع رؤساء الجامعات ورئيس هيئة التعليم التقني، ورئيس الهيئة العراقية للاختصاصات الطبية، لمناقشة موضوع الاعتراف وطلبت حضور رئيسي الاتحادين لتوضيح وجهتي نظريهما والإجابة على الأسئلة التي تثار حول الموضوع.

جرت مناقشات مستفيضة لم أتدخل بها، حرصت خلالها أن أكون محايداً، وأتولى فقط إدارة الجلسة، وبعد استكمال المناقشات، طلبت التصويت بشكل علني على الاعتراف بالشهادات التي يمنحها الاتحادان وبحضورالدكتورمحمد المشهداني رئيس اتحاد المؤرخين العرب ورئيس اتحاد التربويين العرب.

جاءت نتيجة التصويت بالرفض المطلق، بل والتوصية باتخاذ الإجراءات القانونية لغلق الاتحادين. ورغم أن المناقشات جرت بشفافية والتصويت العلني إلا أن القائمين على الاتحادين اتهموني بأنني وراء ذلك القرار.

إن قرارات مجلس الوزارة ملزمة ، لها قوة قانونية لا يمكن لوزير في الدول الناضجة ، تجاوزها دون الرجوع لمجلس الوزارة ذاته لتعديلها أو إلغائها . لكن في بلدنا تجري الأمورعكس القواعد الدستورية والقانونية ، فللفرد المسؤول سطوة عليها، و بقرارته يتجاوز كل شيء ولا يستطيع أي أحد الإعتراض عليه، و قد وصفتُ هذه الحالة بمقال لي بعنوان "سياسة وزير لا فلسفة وزارة""[3]".

لقد تدهورت أمور التربية و التعليم في العراق بشكل تدريجي بعد 2003. وطغت سياسات ارتجالية يمارسها وزراء متحزبون خضع كثيرون منهم إلى ضغوطات حزبية وبرلمانية فتم الاعتراف بمخرجات معهد التاريخ والتراث العربي. وجرى التوسع بشكل عشوائي في الدراسات العليا "[4]" لإرضاء أعضاء في البرلمان وساسة ، دون النظرإلى حاجة البلد لاختصاصات بعينها، حتى أتخمت البلاد بحَمَلة شهادات الماجستير والدكتوراه الذين لا يجدون لهم أي فرصة لممارسة اختصاصاتهم.

وقد زاد البرلمان الأمور تعقيداً عندما أصدر قانوناً أعطى الصلاحية فيه للوزارات الأخرى -غير وزارة التعليم العالي والبحث العلمي صاحبة الاختصاص- والمحافظات للقيام بمعادلة الشهادات ومنح الألقاب العلمية ، الأمر الذي تصديت له بمقال بعنوان قانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية لسنة 2020 : ترصين أم تهوين "[5]".

فإذا كانت هذه حال الدراسات العليا في جامعاتنا الرسمية فلا غرابة أن يستمر معهد التاريخ والتراث العربي بمنح شهادات دون التقيد بالشروط العلمية المطلوبة.



[1]- للتفصيل ينظر: http://unionarabhistorian.com/index/%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%87%D8%AF/ [2]- مَثَلَ المكتب المهني للحزب في اللجنة الدكتور أموري اسماعيل حقي. [3]- ينظر للمقال في: https://www.albakaa.com/single-post/2008/10/02/%D9%81%D9%8A-%D8%B6%D9%88%D8%A1-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D8%AF%D8%AF%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA%D8%B0%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF [4]- ينظر مقالي عن ذلك في: https://www.albakaa.com/single-post/2016/06/01/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%B9 [5]- ينظر مقالي المعنون، قانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية لسنة 2020 : ترصين أم تهوين . : https://www.albakaa.com/single-post/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-2020-%D8%AA%D8%B1%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D9%85-%D8%AA%D9%87%D9%88%D9%8A%D9%86

Tahir Albakaa
Historian
bottom of page