top of page

قانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية لسنة 2020 : ترصين أم تهوين؟ طاهر البكاء

صوّت البرلمان العراقي في 28 تشرين الأول 2020 على قانونٍ لمعادلة الشهادات الصادرة من جامعات ومعاهد غير عراقية والدرجات العلمية، بتوصية من لجنتي التعليم العالي والبحث العلمي واللجنة القانونية في مجلس النواب. ذكَرَ المشرعون في الأسباب الموجبة لتشريعه “… تشجيعاً للبحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الانسانية ولرعاية المتفوقين والمبدعين والمبتكرين والحث على الحصول على الشهادات العليا والحفاظ على الرصانة العلمية وتبسيط اجراءات معادلة وتقييم الشهادات…شرع هذا القانون”.

لا شك أن من يقرأ الأسباب الموجبة قبل أن يطلع على مواد القانون سيتوقّع مثلاً أنّه سيُحدث نقلة نوعية في المستوى العلمي، لكنه سرعان ما يصاب بخيبة أمل حالما يدقّق النظر في مواد القانون، لأنّه سيجد أنها ليست ذات علاقة إطلاقاً باسبابه الموجبة التي سطّرها المشرعون.


لنبدأ أولاً باللغة التي كُتب بها القانون، فهي أبعد ما تكون عن اللغة القانونية المُحكمة، المصاغة بكلام عربيّ مبين، خالٍ من الأغلاط، ومن الضعف اللغوي. إنّ لغة القانون المصوّت عليه أقرب ما تكون الى الكلام العادي. ولو بحثنا عن السر الدفين وراء تشريع هذا القانون من دون الرجوع الى الوزارة ذات الاختصاص “التعليم العالي والبحث العلمي” لوجدناه صريحاً جلياً، يكشف عن نفسه في الفقرة أولاً من المادة الثانية عشرة منه التي نصت على:


“للموظف أوالمكلف بخدمة وأعضاء مجلس النواب والوزراء ومَن هم بدرجتهم أو الوكلاء ومَن هم بدرجتهم والمدراء العامون ومَن هم بدرجتهم والدرجات الخاصة العليا بموافقة دوائرهم الدراسة أثناء التوظيف أو التكليف على النفقة الخاصة أو إجازة دراسية للحصول على الشهادة الأولية أو العليا داخل العراق أو خارجه بصرف النظر عن العمر”.

من المعروف أن شرط العمر كان قد تم تحديده سابقاً بأن لا يتجاوز عمر المتقدم لدراسة الماجستير 40 سنة ولا يزيد عمر المتقدم لدراسة الدكتوراه عن 45 سنة، وفق فلسفة تعتمد تحقيق الفائدة من حملة شهادتي الماجستير والدكتوراه بعد تخرجهم، أي أنْ يكون بمقدورهم خدمة البلد في الأقل 15 سنة قبل الإحالة على التقاعد، لأن فلسفة خطط الدراسات العليا تهدف الى تلبية حاجة الجامعات ودوائر الدولة من الكفاءآت العلمية العليا. وليس إشباع رغبات الأفراد كما هو متبّع في الدول المتقدمة. لكنّ أعضاء مجلس النواب العراقي ألغوا شرط العمر وذلك ما نصت عليه الفقرة أولاً من المادة 12 من القانون موضوع البحث ، دون مراعاة التخطيط السليم وإحصاء حاجة البلد للاختصاصات في مختلف الحقول والميادين. كل ذلك من اجل تحقيق رغبات شخصية لمن شرعوا القانون وليس لحاجة وطنية.

لم يكتفوا بذلك، فلكي يحققوا الجمع بين المنصب السيادي والحصول على شهادة عليا، ألغوا شرط التفرغ للبحث العلمي، واعتقدوا ان الدراسة لا تستحق الاقامة في بلد الدراسة والتفرغ لها اكثر من 4 أشهر للدراسات الانسانية و 6 أشهر للدراسات التطبيقية والمختبرية. كما هو واضح في الفقرة رابعاً من المادة السادسة من قانونهم. وكأنهم يقولون إنّ سنوات البحث التي أمضاها حملة الشهادات العليا منذ تأسيس الدولة العراقية الى يوم اصدار هذا القانون كانت هدراً ومضيعة للوقت. وزادوا من “كرمهم!” بأنْ قلّصوا مدة التفرغ للبحث باعطاء الوزير صلاحية الموافقة على تعادل وتقييم الشهادة غير المستوفية لشروط الاقامة المنصوص عليها في هذا القانون ، إذا توفرت أسباب مبررة منعت الطالب من إكمال المدة المذكورة بهذا القانون . وهذا ما نصت عليه المادة 11 من قانونهم.

وفي سابقة غير مألوفة أبداً أعطى اصحاب القانون للامانة العامة لمجلس النواب حق معادلة الشهادات التي تصدر من معهد التطوير البرلماني، كما جاء في الفقرة 3 من المادة الثانية من هذا القانون. وفي الفقرة ثانياً من المادة 12 أعطى المشرعون للوزارات الأخرى حق منح الألقاب العلمية لحملة الشهادات من منتسبي تلك الوزارات، بعد أن كان منح اللقب العلمي من إختصاص الجامعات حصراً، الامر الذي لم يألفه أي بلد في العالم. وسيخلق فوضى لا حصر لها بسبب تعدد جهات تقييم الشهادات.

ثم استمرّ المشرعون في كرمهم بأن جعلوا للقانون أثراً رجعياً وذلك ما نصت عليه الفقرة أولاً من المادة 13 ، إذ أوجبت إعادة النظر بطلبات معادلة الشهادات السابقة التي تم رفضها أو لم يتم البت فيها. وبالغوا في ذلك “الكرم!” بأن سمحوا للمتظلم والمعترض إذا كانت لديهما مبررات جديدة أن يقدما طلبيهما بمدة لا تزيد على خمس سنوات. كما هو واضح في المادة ثانياً من المادة التاسعة.

وفي سابقة فريدة في بابها، ولمعرفتهم أن القانون سيُواجَه بمعارضة من راعي الدستور، رئيس الجمهورية -المتخرّج في الجامعات الغربية ، والعارف بمتطلبات الدراسات العليا- ثبّتوا في متن المادة 16، النص التالي:”ينفذ هذا القانون من تاريخ التصويت عليه وينشر بالجريدة الرسمية”.

   ما أشرتُ إليه ليس إلا “النزر”، لكنّه القليل “المدمّر”، أما واقعُ حالِ هذا القانون ففي كل مادة من مواده، بل كل فقرة من فقراته ثمة فاجعة تنذر بمآسي يمرُّ بها مستقبل الدراسات العليا والبحث العلمي في البلد!.

المواقف من تشريع القانون:

لم يواجه أي قانون حالة من الرفض العام ، في يوم صدوره ، كما واجهه هذا القانون ، فقد جوبه بموجة من الاستنكار والاستهجان على وسائل التواصل الإجتماعي والفضائيات. رفضه وزير التعليم العالي والبحث العلمي باسم وزارته ، وهكذا فعل رئيسا جامعة بغداد والجامعة المستنصرية ، كما قوبل بالرفض والاستنكار والشجب من قبل وزراء سابقين ورؤساء ومجالس جامعات وأكاديميين وإعلاميين. كان أول المستنكرين له الاستاذ الدكتور سامي المظفر وزير التعليم العالي والبحث العلمي الاسبق ، إذ قال مخاطباً مجلس النواب بما نصه “لا عذر لكم في منح أنفسكم الشرعية التي لا تملكونها في تشريع قانون اسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية العربية والاجنبية”.



وأضاف قائلاً: “انه يساهم بتدهورالتعليم وتبدده وتهاونه  وانتشار الفرقة والهوان في التعليم العالي”.

كما أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إقليم كردستان العراق تحفظها على القانون، وقالت في بيان رسمي ” إن هذا القانون لم يأخذ بنظر الاعتبار العديد من المعايير العلمية المهمة في عملية معادلة الشهادات ، وهذا يؤثر سلباً على مستوى التعليم العالي وسمعته في العراق ويلحق ضرراً بالغاً بقيمة الشهادة العلمية وقدسيتها”. واضاف البيان قائلاً: “إنّ هذا القانون قد تم تمريره دون الأخذ بنظر الاعتبار آراء الجهات ذات العلاقة وملاحظاتها” “[1]“. 

وهاجم القانون الأستاذ الدكتورهاشم حسن التميمي عميد كلية الاعلام الأسبق في مقابلة تلفزيزنية بتاريخ 30 تشرين الأول، قال فيها: “أستطيع أن أقول نيابة عن عشرات الالآف من الأساتذة إنه أسوأ قانون ظهر في تاريخ العراق” وهو “إسقاط لقيمة الشهادات العليا” ووصف الدكتورهاشم بعض فقرات القانون بأنها: “نصب واحتيال”.



وقال استاذ التاريخ الدكتور ماهر الخليلي: “إن القانون يعد كارثة ، بكل ما للكلمة من معنى، على وضع العراق الحالي والمستقبلي”

وقد وصفه الكاتب إياد السماوي بانه “قانون نكبة التعليم العالي في العراق ” وأضاف “التاريخ سيكتب أن هذا القانون العار قد شرّع في زمن قيادة العار محمد ريكان الحلبوسي لمجلس النواب العراقي” “[2]“.

واصدرت شبكة العلماء العراقيين في الخارج (نيسا) التي يترأسها الاستاذ الدكتور محمد الربيعي بتاريخ الأول من تشرين الثاني 2020  بياناً حذرت فيه من النتائج الوخيمة للتغافل عن الأسس الرصينة في معادلة الشهادات الاجنبية” ودعت الى الوقوف بحزم تجاه هذا القانون“.

هذه نفثات من ردود الفعل السريعة على هذا القانون، إذ لا يمكن احصاء كل المواقف المعارضة للقانون لانها بعشرات الألوف.

عود على بدء، أقول إنّ القانون مرتبك، هزيل بصياغته ومضمونه ، متناقض، ليس له أهداف ايجابية، وستنجُم عن التمسك به نتائج مدمرة. لهذا فإنّ العمل على إسقاطه مسؤولية وطنية تقع ليس على الأكاديميين وحدهم، بل على كل عراقي يكون قادراً على دحر المنكر بيده ، او بلسانه ، ولا مجال هنا لممارسة أضعف الايمان.

                          الخامس من نوفمبر –تشرين الثاني 2020


[2]– للتفضيل ينظر : https://www.factiniraq.com/archives/28555

Tahir Albakaa
Historian
bottom of page